eng.kolopaly مشرف مؤسس
عدد الرسائل : 1082 العمر : 35 الموقع : www.epe2011.tk العمل/الترفيه : m3ako fe el koleya المزاج : anything reaches me happiness تاريخ التسجيل : 30/08/2008
| موضوع: فلسفة "الثعبان" غير المقدس..د.أحمد خالد توفيق الخميس يناير 29, 2009 4:11 am | |
| فليرحم الله شاعرنا التونسي العظيم "أبا القاسم الشابي". هذا الشاب ظاهرة يجب أن تتم دراستها بعناية أكثر. موهبة اشتعلت كبركان بلغت نيرانه عنان السماء خلال عمر قصير لم يطل أكثر من 25 عامًا، ثم خمد بسرعة البرق إذ قتله داء القلب (وقيل الدرن)، حتى أن مجلة (أبوللو) الشعرية قدمته بكل فخر للقراء في عدد ثم نعته لهم في العدد التالي!.. نموذج آخر للموهبة الحارقة التي تتوهج بعنف وسرعة ثم تتحول لرماد وتحرق صاحبها معها، فالجسد البشري له قدرة معينة على تحمل العبقرية لا يتحمل أكثر منها.
في هذه السنين النادرة انهمرت أشعار الفتى بلا توقف، وحدت بصيرته إلى درجة أن قصائده صارت أمثالاً ونبوءات وأناشيد قومية. كم مرة رددت فيها:
"إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر"
وكم مرة قلت فيها:
"لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهابُ بالإرهابِ"
لاحظ الكلمات المختارة وكيف أنها عصرية جدًا.. في ذلك الوقت (عشرينيات القرن العشرين) لم تكن قضية الإرهاب ساخنة أو موجودة أصلاً، لكنك تشعر بأن العبقري يعلق على ما يحدث في غزة اليوم. لقد اجتازت نظرته الثاقبة الزمن والمسافات.
كنت أصغي لقناة الجزيرة؛ لأني تعبت من مشاهدتها، وقد اختلطت الرؤى والمشاهد في ذهني من فرط ما رأيت من مذابح وجثث أطفال وفوسفور، عندما وقعت عيني على كعب الديوان القديم لـ"أبي القاسم الشابي" الذي لم أقرأه منذ عشرين عامًا لأنني أحفظه تقريبًا. رحت أقلب الصفحات وقد تذكرت قصيدة رائعة كتبها الشاعر، وتذكرك بقصص (كليلة ودمنة) وقصص الحيوانات التي تحكي عن البشر في الواقع. القصيدة اسمها (فلسفة الثعبان المقدَّس).. القصيدة تبدأ بداية منعشة جدًا.. إن الشحرور يغني في مرح ليوم ربيعي مشمس.. لكن:
"ورآه ثعبان الجبال فغمـــــهُ ما فيه من مرحٍ وفيضِ شبابِ فانقض مضطغناً عليه كأنــــه سوط القضـاءِ وفريـة الكــذابِ"
هكذا راح الشحرور يصرخ وهو في فم الثعبان:
"ماذا جنيتُ أنا فحقَّ عقابي؟
لا شـــيء إلا أننــــي متـغـــــزلٌ بالكائـنات مغــــردٌ في غابـــي أيـعّدُ هـذا في الوجـــود جريمـةً أين العدالة يا رفاق شبــــابي؟ لا أين فالشرع المقدس هاهــنا رأي القـوي وفكـــرةُ الغـــــلابِ وسعادة الضعفاء جرمٌ ما لهُ عند القـوي سوى أشــد عقـــــابِ"
بالفعل تشعر أنك تعرف هذا الشحرور نوعًا، لكن شحرورنا العربي لا يغرد أصلاً.. لقد كتموا صوته منذ زمن بعيد. على أن الشحرور يواصل الشكوى مشهِدًا الدنيا كلها على أن العدالة أكذوبة:
ولتشهد الدنيا التي غنيتـها حلم الشباب وروعــة الإعجـــابِ أن الســـلام حقيقة مكذوبةٌ والعدل فلسـفة اللهيب الخابي
ثم يقول بيت الشعر العظيم الذي يلخص كل شيء، والذي يعرف كل طفل أنه الحقيقة بعينها:
لا عدلَ إلا إن تعادلت القوى وتصـــادم الإرهــابُ بالإرهــابِ
كل طفل عرف ذلك، لكن من قال إن السياسيين يتمتعون بذكاء الأطفال؟.. لو كان الأمر كذلك لكانت الحياة رائعة.. ضباب السياسة والمصالح يحجب الحقائق فلا يعرفون أي الألوان الأبيض وأيها الأسود..
هنا يبتسم "باراك".. آسف.. أقصد الثعبان... بالمناسبة.. لا أعرف لماذا يبدو هؤلاء الإسرائيليون من الخارج بالضبط كما هم من الداخل؟.. هذه ظاهرة غريبة فعلاً.. "باراك" ثعبان أملس باسم بملامحه الدقيقة الخالية من الرجولة.. تذكر أنه كان متنكرًا كامرأة شقراء في العملية الخاصة على بيروت، فيبدو أنهم أجادوا الاختيار فعلاً (كل الصحف وقتها قالت: إن امرأة حسناء كانت تقود مجموعة رجال الكومندوز الإسرائيليين).. "شارون" خرتيت بلا زيادة ولا نقصان.. "ليفني" نمرة متوحشة تتظاهر باللطف أحياًنا قبل أن تلتهم ذراعك.. "نتنياهو" فتوة المدرسة الضخم الشرس محدود الذكاء الذي يضرب الصبية المتفوقين.. "بيريز" يشبه بالضبط "كرستوفر لي" الذي كان يقوم بدور "دراكولا" في أفلام "هامر" القديمة، حتى تتوقع أن يبرز له نابان في أية لحظة..
دعنا من هذا ولنواصل سماع قصيدة الشابي.. قلنا إن "باراك" -أقصد الثعبان- ابتسم:
فتبسَّم الثعبان بســمةَ هازئ ٍ وأجاب في سـمتٍ وفــرط كذاب يا أيها الغـِـرُّ المثــرثــرُ إننـــــي أُرثــــي لثــورة جهـــلك الثــــلابِ إني إله طالما عبد الورى ظلّي وخافــــوا لعنتــــي وعقــــــــابي وتقربوا لي بالضـحايا منـــــهمُ فرحــين شـــأن العـــابـــد الأوّابِ أفلا يسرُّك أن تكون ضحيتـي فتحلَّ في لحمي وفي أعصابي؟ وتكون عزماً في دمي وتوهجاً في ناظري وحدةً فـي نابــــــي؟
هذا هو منطق الطاغية.. أنا إله ومما يشرفك ويرفع مقدارك أن تكون ضحية لي.. لحسن الحظ أنه لم يقل له: من حقي الدفاع عن نفسي، أو هذا هو المخاض الضروري من أجل شرق أوسط جديد..
على كل حال، لا جدوى من المنطق إلا لإقناع المجتمع الدولي بأن هناك مبررًا قويًا فيستريح ضميره؛ لأن "السلام حقيقة مكذوبةٌ" أما بالنسبة للشحرور فهو سيؤكل في جميع الظروف، لهذا يقول وهو يحتضر:
لا رأي للحق الضعيف ولا صــدى والــــرأي رأي القاهــر الغــــلابِ فاصنعْ مشيئتك التي قد شئتها وارحم جلالك من سماع خطابي
انتهت القصيدة الرائعة.. درسٌ عمره تسعون عامًا ألقاه "العبقري" على مسامعنا قبل أن يلقى ربه.. القوة منطق حق في حد ذاته، ولا جدوى من الصراخ أو طلب العدالة أو استجداء العالم "فالشرع المقدس ها هنا رأي القوي وفكرةُ الغلابِ".. لا عدل إلا إن تعادلت القوى.. أنت آمن بقدر ما أنت قوي قادر على إرهاب خصمك.. العالم يحترمك بقدر ما أنت مهيب، وإلا فلن تظفر سوى بصراخ بعض مؤيدي حقوق الإنسان وتأييدهم لك.. لقد كانت مشكلة الشحرور أنه كان أرق من اللازم وأضعف من اللازم..
تعلمنا من حماس وحزب الله أن الشجاعة لا تنقصنا، إذن فالفجوة فجوة علم وفجوة إرادات، وعلينا أن نسد هاتين الفجوتين حتى لا يلتهمنا "باراك".. أقصد الثعبان غير المقدس مرة أخرى.
_______ منقول من موقع بص و طل | |
|